الرئيسية
البيولوجيا الرقمية ..؟؟
يعمل علماء البيولوجيا عادة في اطار معين من السرية، الأمر الذي يمكن أن يقود المهندس العادي أو مبرمج الكومبيوتر إلى الجنون. وقد توصل هؤلاء العلماء إلى تركيب مشروع كامل للمجموعة الوراثية البشرية (الاطلس الوراثي) لكنهم ما زالوا يجهلون الكثير عن كيفية عمل الـ40 ألفا من المورثات بانتظام داخل جسم الإنسان. كما أنهم حددوا كل عضلة وعصبة في جناح الذبابة، غير أنهم ما زالوا يجهلون سبب عدم ارتطام الذبابة بالحائط عند الطيران. وعلى عكس عالم البيولوجيا، لا يستطيع أي مهندس ابتكار جهاز عرض الفيديو الرقمي دون معرفة وظيفة كل دائرة فيه. كما لا يسمح أي مبرمج ان يكتب الكومبيوتر نفسه شفراته الخاصة. هكذا كانت الأمور من قبل على الأقل.
* تناسل الرقائق
* ويحاول الباحث بيتر بانتلي من خلال كتابه «البيولوجيا الرقمية» توضيح كيف أن المعبد العقلاني للتقنية أصبح مليئا بالألغاز الضارة. وعلى سبيل المثال، بإمكان الرقائق المجهرية الدقيقة (microchips) الآن أن تتطور. ويقول بانتلي ان المهندس البريطاني أدريان تومسون قام بطريقة عشوائية بترتيب العشرات من مكونات الترانزستورات، ثم برمج كومبيوترا لاختبار عملها في مهمات معينة مثل التفريق بين الأصوات ذات الطبقة العالية والأخرى المنخفضة. وظهر ان أداء الجيل الأول من الرقائق كان سيئا، لكن عمل البعض منها كان أقل سوءا. عند ذلك، حفظ الكومبيوتر التصميم الأقل سوءا وقام بتجميعها لتكون مهجنة. ولاحظ تومسون أن الكومبيوتر قام خلال هذه العملية بإدخال بعض التغييرات أو التعديلات عليها. وبناء على ذلك، استطاعت بعض العناصر من الجيل الجديد أن تميز بين الأصوات أحسن من «والديها» مخلفة بذلك جيلا ثالثا. وبتقليد هذه العملية مرارا وتكرارا استطاع الكومبيوتر إنتاج رقائق قادرة على القيام بوظيفتها بكل براعة. ولكن تومسون لم يفهم حتى الآن كيف تعمل تلك الرقائق. لذا فقد التجأ إلى قياس حرارة أجزاء من الرقائق مثلما يقوم طبيب الأعصاب باستخدام ماسحة من نوع «أم آر آي» لسبر الدماغ. لا يعد كتاب بانتلي الأول من نوعه في البيولوجيا الرقمية، إذ قام باحثون منذ السبعينات باستكشافات في هذا المجال، ومن أبرزهم ستيفن ليفي الذي ألف كتابا تحت عنوان «الحياة الصناعية» (1993)، وكافين كالي بكتاب «خارج السيطرة» (1994)، وستيفن جونسن بكتاب «الانبثاق» الذي نشر العام الماضي. ولكن هذه المقارنات السابقة أضرت إلى حد ما بالبيولوجيا الرقمية لأن الكتابة حدثت من دون بذل جهد كبير في توضيح قدرة البيولوجيا الرقمية على تغيير الثقافات. وانصبت على امكانات تغييرها لنمط حياتنا خضوصا في ما يتعلق بالمعدات المنزلية مثل اختراع غسالات متطورة وروبوتات صغيرة لتنظيف السجاد، لكن مزيدا من المعدات يؤدي إلى الفوضى. ولكن بانتلي يمتاز عن الكتاب الذين سبقوه بانه عالم أحياء رقمية، فهو مختص بتدريس مادة تطور الكومبيوتر في جامعة لندن. وتمر البيولوجيا الرقمية بمرحلة هامة من تاريخها إذ أنها بصدد التغير سريعا من تجارب على المستوى الفكري، إلى علم قائم بذاته، وبانتلي جزء من هذه التجربة. ويعد كتابه مذهلا لأنه يعكس حماس بانتلي هذه الأيام الذي يعبر عنه بأنه يشبه «قيادة إعصار»، بالإضافة إلى انه أصبح اخيرا طالبا مرهف الحس لعلم الأحياء. ويوضح بانتلي كيف أن البيولوجيا مهمة جدا في عمله، فالاستراتيجية التي يستخدمها النمل لتتبع الرائحة أصبحت طريقة لوضع شبكات أبراج الهواتف النقالة. كما أصبحت الطريقة التي يتطور بها الجنين وسيلة لتحويل برنامج بسيط إلى آخر معقد دون أدنى تدخل من المبرمج.
* ذكاء بيولوجي وصناعي
* ويرغب بانتلي من خلال تجاربه في فهم المعنى العميق للبيولوجيا الرقمية، فعلى سبيل المثال، ما هو المبدأ الذي يقف وراء مشروع معقد مثل نظام الكومبيوتر أو الشبكات العصبية أو مستعمرات النمل الحقيقية؟ ويعتقد بانتلي أن العمليات المعقدة يمكن أن تبرز بصفة طبيعية في أي نظام تعمل فيه أجزاء معينة حسب مجموعة من القواعد. قد تكون القواعد بسيطة لكن المهم هنا هو أن كل جزء سواء أكان عصبا أو رمزا لبرمجة، يستطيع أن يؤثر على عمل الأجزاء الأخرى مما يؤدي إلى نظام معقد من المرتجعات.
من ناحية، فان بانتلي على صواب ولكن فقط من ناحية لا معنى لها تقريبا، فالكومبيوترات لا تقلد الطبيعة بل أنها تقلد ما نعتقد أننا نعرفه عن الطبيعة. وعلماء الأحياء هم أول من يخبرك أن النماذج، التي توصلوا إليها حول الدماغ أو جهاز المناعة أو شبكة البروتينات في الخلية، هي بسيطة. والكومبيوترات التي صممت مثل هذه النماذج هي أكثر بساطة. ويتكون أكثر «الأدمغة الرقمية» تعقيدا من بعض الآلاف من الخلايا العصبية المحفزة، وهذا يجعله يختلف اختلافا كليا عن الدماغ البشري الذي يضم 100 مليار خلية عصبية، كل واحدة منها متصلة بالآلاف من جيرانها وتستخدم العشرات من أدوات البث العصبية للاتصال معها.
المفهوم البيولوجي لا يجب أن يكون حقيقيا لتصميم برنامج كمبيوتر. ويصف بانتلي كيف أن باحثين في مجال تقنية المعلومات اعتمدوا في السبعينات على نموذج صناعي من جهاز المناعة البشري للقضاء على الفيروسات التي تجتاح الكومبيوتر. ويمكن لهذا النوع من العلاقة أن يستغل من الجانبين، فإذا أمكن للكومبيوتر أن يعمل مثل الطبيعة، فقد يكتشف علماء الأحياء أن الحياة تشبه إلى حد بعيد جهاز الكومبيوتر. وعلى نفس النمط الذي أنشأ فيه علماء الأعصاب شبكات عصبية لفهم وظيفة كل جزء من الدماغ، عمد باحثون آخرون من المهتمين بتنقلات الحشرات، إلى اختراع روبوتات لاختبار أفكارها. والآن، يعالج المختصون في علم الكيمياء المورثات على أنها خطوط رموز ما في جزء من برنامج كومبيوتر. أن تخيل الحياة على أنها كمبيوتر لا يقلل من عظمتها بل يزيد في كبرها. وتلك النظرة هي أهم من كل روبوتات تنظيف السجاد في العالم.
» رمضان مبارك
» اقتراح للادارة !!
» سلام خاص الى استاذي الغالي
» نظائر الكلور
» الصداقة الحقيقية
» الابتسامة وفوائدها
» العمليات الكيميائية لاستخلاص غاز الكلور
» هل تعلم