رعاية المواهب لدى النشء.. ضرورة دعوية
[14:19مكة المكرمة ] [19/05/2009]... منقول ..
بقلم: أحمد صلاح
أودع الله في بعض البشر مواهب تميِّزهم، وخواصَّ فريدةً تؤهِّلهم لأن يتميزوا وأن يبدعوا في مجال ما، يقول تعالى: ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾ (فاطر: من الآية 1)، أي يتميز بها بعض الخلق عن بقيتهم، وعلى قدر عطاء الله ونعمته على هؤلاء البشر على قدر ظلم الإنسان للإنسان وظلم المجتمع العربي لأبنائه.
مجتمع لا يهتم بمواهبهم، ولا يبذل جهدًا في البحث عنها، وأحيانًا يجهد نفسه في تحطيمها بقصد أو بدون قصد!.. مجتمع كتب على نفسه الفشل يوم أراد التفريط في مواهب أبنائه، وقرَّر عدم رعاية ما يظهر منها واستغلالها في سبيل نهضته ورفعته، وهو عكس ما تعمل به دول أرادت التقدم، وخطَّطت للنهضة، وأصرَّت عليها بصدق وإخلاص، فقررت اكتشاف مواهب أبنائها منذ الطفولة ورعايتها حق الرعاية، وفق منظومة بناء متكاملة متفاهمة، تعرف هدفها وترسم طريقها جيدًا، ولم تكتفِ هذه البلاد بذلك، بل التقطت المواهب من الخارج (من بلادنا العربية و الإسلامية)، وأغرتها، وفرشت لها الطريق بالعلم والثراء والشهرة والاحترام؛ لتعود إلينا بعد سنين لنفتخر أن فلانًا الذي يتحدث عنه العالم الآن مصري أو سوري أو عراقي.
و(الدعوة إلى الله) مجال في أشد الحاجة لمواهب أبنائها، والبحث عنها و كشفها وحسن التعامل معها، ثم توجيهها توجيهًا سليمًا، يطوِّر من أساليب الدعوة ويحلّ مشكلاتها، وينتج رموزًا تضيف الجديد وتبهر المجتمع، وتدفع بها قدمًا في الوصول إلى الناس.
كانت فكرة البحث عن المواهب بكل أنواعها ورعايتها فكرة لم تغِب عن الرسول صلى الله عليه وسلم طيلة جهاده في طريق دعوته إلى الله، اكتشف الموهبة (الاجتماعية) عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه (موهبة معرفة الناس ومعرفة أنسابهم وتفاصيل حياتهم)، فكان دليله إلى بطون جزيرة العرب ومصدر معلوماته الأساسي عنهم، وقد اعتمد عليه في تعريفه بزعماء القبائل ليدعوهم، وخصوصًا في موسم الحج في السنة الحادية عشرة من البعثة، وبعد الحصار الاقتصادي الاجتماعي الرهيب؛ ليقرر الرسول أن يدعو الناس في موسم الحج، ليخرج بعد جهد جهيد ببيعة العقبة الأولى، والتي كانت سببًا في فتح الإسلام الذي تحقق في المدينة بعد عامين.
وفي المدينة بدأ مشوار تأسيس الدولة، ليركز الرسول أكثر على المواهب واستغلالها، فلم يرَ في الصحابي (زيد بن ثابت) شابًّا ذا قدرات قتالية، عندما أتى إليه يبكي كي يشارك معه في غزوة (بدر)، لكنه وجد فيه بعدها قدراتٍ عاليةً في حفظ القرآن، وشغفه بالعلم والثقافة، ودقته في طرح المعلومات وعمق الأسئلة.
الصورة غير متاحة
وأسفر اكتشاف الرسول لتلك الموهبة عن توجيهه بعدها لتعلم اللغة العبرية، بعدما خشي من تلاعب اليهود بالقرآن، ليذهل زيد بن ثابت الجميع، بعدما أتقن العبرية بعد ثمانية عشرة يومًا فقط، وبعدها أسند له أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعدما تولى الخلافة المهمة العلمية الأخطر في تاريخ الإسلام كله؛ مهمة جمع القرآن.
لفتت موهبة الصحابي (عبد الله بن رواحة) في الشعر نظر الرسول صلى الله عليه و سلم، حتى قال له في مجلس يومًا متسائلاً في تعجب: "يا عبد الله، كيف تقول الشعر إذا أردت أن تقول؟!"، فجعله صلى الله عليه وسلم الإعلامي الذي يحمِّس الناس بشعره، وكذلك الصحابي (حسان بن ثابت) رضي الله عنه الذي كان يصف هجاءه لأعداء الإسلام قائلاً: "والله، إن كلماتك لأشدَّ عليهم من نضح النبل".
أما اكتشافه موهبة الصحابي (نعيم بن مسعود الغطفاني) في دهائه ومكره وقدرته على التمثيل ولعب أدوار الجاسوسية؛ فكان اكتشافًا شقَّ التحالف بين قريش وبني قريظة، وأنقذ المسلمين والدعوة من خطر محدق في غزوة (الخندق).
ما نوع المواهب التي تحتاج إليها الدعوة؟
تحتاج الدعوة إلى مواهب في كل المجالات، وخصوصًا المجالات التي لها اتصال مباشر بالدعوة، مثل:
1- الخطابة.
2- القيادة.
3- التخطيط.
4- الإدارة.
5- القدرة على الاتصال والتأثير في الآخرين.
كما تحتاج إلى مواهب أخرى فرعية، مثل:
1- التمثيل.
2- الإنشاد.
3- الرسم.
4- التأليف القصصي.
5- الكتابة الصحفية.
ربما كانت البنود السابقة هي التي تحتاجها الدعوة كأولوية في البحث عنها والعمل لاكتشافها، ولكي تنجح في ذلك عليها أن تخطط جديًّا وبأسلوب مدروس لاكتشاف الموهبة ورعايتها، ثم توجيهها وتفعيلها تفعيلاً سليمًا يخدم الدعوة.
كيف نكتشف المواهب؟
الصورة غير متاحة
تُكتشف المواهب بالوسائل التالية:
1- إقامة المسابقات، ويفضل أن تكون بجوائز، ويسبقها إعلان جذاب، وتتم في جوٍّ حماسي بحضور جمهور من الآباء إن أمكن.
2- ملاحظة السلوك والتصرفات والاهتمامات والميول عن طريق المتابعة، (لاحظ الرسول صلى الله عليه وسلم قدرات الصحابي "زيد بن ثابت" العلمية، فوجَّهه إلى تعلم اللغة الأجنبية "العبرية" بعد أن أسند له كتابة الوحي.
3- السؤال المباشر عن طريق استطلاعات الرأي.
4- سؤال الآباء أو المدرسة إن أمكن، أو الأصدقاء.
رعاية الموهبة
"توجد الموهبة لدى الفرد منذ نشأته، ولكنها تتبلور عن طريق التدريب والتزود بالمعرفة".. هذا هو كلام د. عزة كريم أستاذ علم الاجتماع، وهذا يعني أنه كلما بادرنا باكتشاف الموهبة ورعايتها كلما كانت الفرصة لدينا أكبر في إبراز الموهبة، وأسبق في الانتفاع بها، قبل أن تموت بفعل التجاهل والإهمال.
وسائل رعاية المواهب
1- تصنيف المواهب (معرفية- بدنية- اجتماعية- ابتكارية- فنية.. إلخ).
2- تجميع كل فئة على حدة، وتهنئتها بمواهبها وإشعارها بأهميتها ومسئوليتها أمام الله، وضرورة الاهتمام بها ورعايتها، قال الرسول صلى الله عليه وسلم مقدِّرًا قدرة أسامة بن زيد في القيادة: "إنه لخليق بالإمارة كما أن أباه كان خليقًا بها".
3- تنظيم دورات نظرية وعملية للموهوبين عن طريق متخصصين إن أمكن أو عن طريق هواة موهوبين في نفس المجال.
4- التأهيل الإيماني للموهوبين الذي يدفعهم إلى الإخلاص وعدم الرياء في مشوارهم المعرض لأن يحاط بالإعجاب وربما الشهرة، ويبعدهم عن التعالي والكبر والغرور، ويحفزهم لشكر نعمة الله عليها بحفظ أمانتها، (كانت دار الأرقم تشبه مركزًا للتأهيل الإيماني المستمر للصحابة مع ممارستهم المستمرة للدعوة).
5- عمل برنامج عملي لتفعيل الموهبة في مجال الدعوة، سواءٌ في المدرسة أو الحي أو المنزل.
6- الاتصال ببعض المراكز المؤهلة لرعاية المواهب، والتنسيق معها ومع بعض المؤسسات (صحفية- علمية- رياضية) للتدريب على الموهبة حسب نوعها.
كيف تستوعب الدعوة الشخص الموهوب؟
لا بد من وجود بيئة مناسبة ترعى الموهبة والموهوبين.. بيئة تشجع الموهوب على موهبته، وتحمسه عليها، وتدعوه إلى الاهتمام بها وتَعِدُه بالمساعدة، لا أن تتجاهله وتسخر منه ومن موهبته وتتهم موهبته بإضعاف مستواه الدراسي، أو تتهمه بالرياء؛ لأنه يريد الشهرة والظهور بسبب موهبة مثل الإنشاد والتمثيل.. بيئة يشعر معها بالحب والتقدير لأنه موهوب، لا يشعر معها بالحقد والحسد، وأن الآخرين يتمنون له الفشل عند سقوطه في محاولة أو تجربة.
بيئة تعلم أن حسن تعاملها مع الموهبة نوع من (العبادة)؛ لاقتناعها أنها بهذه الرعاية تفيد الدعوة إلى الله، وتسهل طريقها نحو النفوس، فيكون لها الفضل في هداية المزيد من الناس إلى الخير، وانجذاب عدد منهم إلى العمل في مجال الدعوة نفسه، بما يسهم بدوره في رفع شأن الدعوة والدين.
ولقد كانت البيئة التي صنعها الرسول صلى الله عليه وسلم من حول الصحابة مناسبةً تمامًا لإبراز مواهبهم ورعايتها حق رعاية، فهي البيئة التي قفزت بالصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من راعٍ للغنم، إلى واحد من أحفظ الصحابة وأقرئهم، حتى قال عنه الرسول صلى الله عليه و سلم: "من كان قارئًا للقرآن، فليقرأ على قراءة بن أُم عبد".
كما ينبغي للدعوة أن تسند مهامَّ للموهوبين تناسب مواهبهم؛ حتى يسهل نجاحهم، ويعظم إنتاجهم، وتقفز معهم الدعوة قفزات للأمام، كما ينبغي أيضًا تفهُّم أن الشخصيات الموهوبة شخصيات مبدعة، تحتاج إلى شيء من تفهُّم آرائها التي قد تبدو غريبة وغير تقليدية، والتعاون معها لتجاوز إخفاقاتها، وتشجيعها الدائم لتجاوز صعابها.
إن الاهتمام بموهبة واحدة يعادل الاهتمام بعشرة أو عشرين بل ألفًا من الشخصيات العادية التقليدية، (نعيم بن مسعود الغطفاني كان يعادل جيشًا؛ بما فعل في غزوة الخندق)، وانظروا الآن كيف يسهم صوت جميل في هداية الناس أو إضلالهم، وكيف يلعب ممثل بارع أو كاتب موهوب في تغيير أفكار الناس واتجاهاتهم، حسب ما يقدم من مادة تدافع عن الأخلاق والقيم وترفع من شأن الدين، أو مادة تسهم في انهيار الأخلاق وانحسار الدين من حياة الناس!.
الخميس أكتوبر 31, 2013 11:15 pm من طرف ستيفن هوبكنك
» رمضان مبارك
الإثنين يوليو 30, 2012 3:32 pm من طرف طالبة الفيزياء
» اقتراح للادارة !!
الثلاثاء يوليو 03, 2012 4:31 pm من طرف زهرة العلوم
» سلام خاص الى استاذي الغالي
الإثنين يوليو 02, 2012 4:12 pm من طرف زهرة العلوم
» نظائر الكلور
الإثنين يوليو 02, 2012 4:08 pm من طرف زهرة العلوم
» الصداقة الحقيقية
الإثنين يوليو 02, 2012 4:06 pm من طرف زهرة العلوم
» الابتسامة وفوائدها
الإثنين يوليو 02, 2012 3:58 pm من طرف زهرة العلوم
» العمليات الكيميائية لاستخلاص غاز الكلور
الإثنين يوليو 02, 2012 3:55 pm من طرف زهرة العلوم
» هل تعلم
الإثنين يوليو 02, 2012 3:45 pm من طرف زهرة العلوم